علي مدار الثلاثه سنوات الماضية ، شهد الاستثمار العقاري في مصر تحولات عده ، ليس فقط لما قامت به الدوله المصريه من عمليه تغير واسعه لكافه آليات الصناعه العقاريه في مصر ، اضف الي ذلك إن عمليه الاصلاح الاقتصادي التي قامت بها الدوله المصريه في نوفمبر لعام ٢٠١٦- أحدثت قدرا من التغير الإيجابي لشكل ومفهوم الاستثمار في بيئه الأعمال المصريه بكل جوانبها ، والتي أثرت بلا شك علي تنافسيه مناخ الاستثمار في مصر ، وخلقت حاله من التكالب المحلي تحديدا نحو الاستثمار في السوق المصري ، ومن بين أهم تلك القطاعات الاقتصادية التي شهدت تكالبا قويا للاستثمار بها كان القطاع العقاري في مصر في ظل مشروعات مدن الجيل الرابع كالعاصمه الاداريه الجديده، لكن في حقيقه الامر أن واقع ونمط الاستثمار العقاري في مصر شهد مرحله جديده ومختلفة لم يكن يعتاد عليها ذلك القطاع من قبل – رغم أهميته الاقتصادية والاستثمارية ليس فقط للاقتصاد الوطني بل لكافه القطاعات الاقتصاديه الأخري داخل منظومه الاقتصاد الوطني ، لما لذلك القطاع من قدره نحو إحداث حاله تشغيل تامه ومستمره لأكثر من 70 صناعه ، بخلاف مايتولد عنه من فرص عمل متنوعه ومستمره، كل ذلك لم يكن ليحدث لو لم تقوم الدوله المصريه بما نفذته من حركه تنميه عمرانية طالت كافه انحاء مصر ،ليس ذلك فحسب ، بل إن الاختلاف في شكل ونمط وإليه وتركيبه الاستثمار العقاري نفسها – احدثت قدرا كبيرا من التنوع في فرص الاستثمار المحلي والاجنبي داخل القطاع.
ومع الوقت وفي ظل العديد من التحديات الاقتصاديه التي شهدتها بيئه الاعمال محليا وعالميا، كان من اهمها ارتفاع معدلات التضخم والتي انعكست بشكل كبير علي اسعار مواد البناء – الامر الذي شكل قدرا كبيرا من التحدي امام العديد من المطوريين العقاريين وبخاصه اصحاب الملاءات الماليه الضعيفه ، او حديثي العهد بانماط التطوير العقاري، ولعل ذلك ما كان سببا قويا في توجه تلك الشركات خلال الفتره القادمه نحو إجراء صفقات الاندماج والاستحواذ علي شركات عقاريه مصريه قائمه داخل السوق المصري وبخاصه داخل مشروع العاصمه الاداريه الجديده.
و تسعى الشركات في كثير من الأحيان إلى الاندماج والاستحواذ على شركات أخرى للعديد من الأسباب الاستراتيجية؛ سواء لتعزيز قوتها عبر الاستفادة من نقاط قوة كل شركة تندمج معها أو تستحوذ عليها، أو لزيادة الحصة السوقية أو لتقليل المنافسة ، ولكن للأسف كثير من صفقات الاندماج والاستحواذ لا يُكتب لها النجاح في النهاية وتُصاب بالفشل.
ووفقا لبعض الاحصائيات ،فإن 10% من صفقات الاستحواذ والاندماج يتم إلغائها قبل توقيع الاتفاق النهائي عليها، ولعل من الأسباب التي تؤدي إلى فشل عمليات الاندماج والاستحواذ كثيرة ومتعددة ومنها على سبيل المثال: التقييم الخاطئ، حيث ان الاستثمار في الأصول ربما يبدو جيدًا على الورق، لكنه على أرض الواقع قد لا يكون مُدر للإيرادات والأرباح بعد الانتهاء من إتمام الصفقة، وكذلك عدم الوضوح أثناء عملية الدمج، حيث أنه قبل الاندماج بين الشركات، إذا لم يتم عمل تقييم دقيق وواضح يساعد في تحديد الموظفين الرئيسين والمشاريع والعمليات والمنتجات الحيوية وحقيقة الأوضاع المالية، فإنها تؤدي إلى فشل في عملية الدمج.
ومن ناحيه اخري اختلاف الثقافة، حيث انه من الضروري ان يضع القائمين علي اتمام صفقة الاندماج والاستحواذ في وضع استراتيجية قوية تضع في اعتبارها الاختلافات في الجوانب الثقافية للشركتين، فإن هذا في النهاية قد يُضعف من إنتاجية الموظفين في كلا الجانبيين خاصًة إذا حدث تغيير جذري في الثقافة التي تعمل بها الشركة في وقت قياسي.
ولاشك أن السوق العقاري المصري أثبت جدارته خلال الفترة الماضية، وخاصة في ظل الظروف التي واكبت قرارات الاصلاح الاقتصادي في 2016 وما ترتب عليها من تحديات كبرى أمام الشراكات مرورا بأزمة كورونا الأخيرة التي لم تترك تأثيرات جوهرية على القطاع، وهو مايعني إن السوق العقاري في مصر مؤهل لتنفيذ المزيد من مثل هذه الصفقات الكبرى، خاصة في ظل تراجع معدلات النمو في الأسواق الرئيسية في المنطقة وعلى رأسها السوق العقاري في منطقه الخليج العربي ، وذلك للمزايا التنافسية للسوق المصري تتعلق بكونه يتمتع بفرص كبيرة للنمو في المستقبل، خاصة في ظل تنامي الطلب مدفوعا بحجم الزيادة السكانية سنويا، كما أن صفقات الاندماج والاستحواذ العقاري التي ظهرت مؤخرا بالسوق المصري تعد ترجمة حقيقية للتطورات الايجابيه التي يشهدها السوق العقاري المصري.
ولا نستطيع أن ننكر أن التداعيات الاقتصادية الحاليه بمثابة صدمة كبري للعديد من شركات التطوير العقاري، حيث أن هناك العديد من الشركات تعتمد فى تنفيذ مشروعاتها على المبيعات، والتي ستتأثر بلاشك من الوضع الاقتصادي الحالي ، وهو ما يعني أن الشركات التى ستستطيع الاستمرار في السوق هى التى تمتلك الخبرة في القطاع العقاري، و لديها ملاءة مالية قوية تمكنها من مواجهه التحديات الاقتصادية الاخيره والتغلب عليها ، ولعل ذلك الأمر غير متواجد سوي بعدد قليل ومحدود من شركات التطوير العقاري داخل السوق العقاري المصري، هذا بالاضافه الى ماشهدته أسعار مواد البناء فى مصر بالارتفاع بنسب كبيرة خلال الفترة الأخيرة، ووصلت إلى مستويات قياسية مدفوعة بموجة التضخم العالمى الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة وتعطل سلاسل الإمداد العالمية بفعل جائحة كورونا، مما قد ينعكس بالسلب وبقوة على أسعار الوحدات العقارية فى مصر على اختلاف أنواعها خلال الفتره القادمه، حيث أن موجة التضخم التى يشهدها العالم حاليا سيتأثر بها القطاع العقارى بلا شك فى شكل زيادة فى أسعار العقارات بنسبة زيادة قد تصل إلى 25%، نظرا للارتفاع الكبير فى أسعار مواد البناء، كما ان ارتفاع أسعار العقارات سيترتب عليه ارتفاع القيمة السوقية للأراضى فى مصر، وهو ما يفرض على المطورين العقاريين المرونة التسويقية للشركات ودراسة أساليب جديدة فى التسويق، كما أنه من المتوقع لن يحدث تراجع فى حجم الطلب العقارى فى الفترة المقبلة، خصوصًا وأن المؤشرات العالمية تحذر من موجة ركود تضخمى، وهو من أسوأ الأزمات التى يمكن أن تصيب الأسواق العالمية ومن بينها مصر بطبيعة الحال.
ولاا شك أن السوق العقارى فى مصر يتحمل مخاطرة البيع على الخريطة، وبالتالى الشركات التى حققت أرقام مبيعات كبيرة خلال الفترة الماضية لن تتمكن من رفع الأسعار وستتحمل الزيادة من هامش أرباحها، وتقوم الشركات العقارية ترفع أسعار البيع كل عام فى الظروف العادية بنسبة من 5 إلى 10%، ولكن مع الارتفاع الكبير فى أسعار المواد البناء، يمكن أن تتجاوز 15%، كما أن كبار المطورين تكون لديهم عقود لفترات ممتدة مع المقاولين لتنفيذ المشروعات وبالتالى لن تتأثر هذه الشركات بالزيادة السعرية لمواد البناء، وبالتالى فإن الأكثر تأثرا من ارتفاع نسب التضخم هم صغار المطورين، الأمر الذى قد يترتب عليه خسارة شريحة كبيرة من فئة العملاء الذين تخاطبهم هذه الشركات.